منذ تأسيس دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971، لم تغب المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة عن أي إنجاز يتحقق على أرض هذا الوطن، بل ظلت حاضرة بقوة في مجالات التنمية الشاملة كافة، تعمل كتفاً بكتف إلى جنب أشقائها من الرجال في خدمة الوطن في مختلف مجالات العمل والإنتاج. وبالأمس القريب، سجلت المرأة الإماراتية شهادة إنجاز جديدة لدورها الوطني، فقد كان الإقبال الذي شهدته مدرسة خولة بنت الأزور العسكرية في أبوظبي من الفتيات والسيدات اللاتي سجلن للالتحاق بالخدمة الوطنية تأكيداً جديداً على أن المرأة الإماراتية تستوعب حقيقة دورها الوطني وتترجم هذا الإدراك والحس الوطني إلى خطوات عملية. والمؤكد أن المرأة الإماراتية تحرص على تقاسم المسؤولية الوطنية والانخراط في مهام الحفاظ على أمن هذا الوطن واستقراره، لذا لم يكن مفاجئاً أن يكون هناك إقبال على الخدمة الوطنية برغم أن القانون قد جعل مشاركة المرأة في أدائها اختيارياً وليس إلزامياً، ومن ثم تصبح هذه المشاركة انعكاساً جلياً للولاء والانتماء وحب الوطن. ولقد كانت تصريحات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، حول تدافع فتاة الإمارات للتسجيل في الخدمة الوطنية أبلغ تعبير عن تقدير الدولة لهذا الحس الوطني، حيث قالت سموها "لقد تابعنا بكل فخر واعتزاز التدافع الكبير لفتاة الإمارات للتسجيل في مراكز التجنيد، مما يجسد ولاءها وحبها للوطن واستعدادها لتقدم الصفوف والتضحية في الذود عن تراب الوطن وسيادته وحماية منجزاته ومكتسباته". وأضافت سموها "إننا نحيي فيها عمق ولائها وصدق انتمائها وروح الإيثار والعطاء والتأهب الدائم للدفاع عن الوطن ومكتسباته"، مشيرة سموها إلى أن هذا التجاوب يعكس روح التضحية والفداء التي تتمتع بها المرأة الإماراتية. وإذا كانت فتاة الإمارات قد أكدت عمق ولائها وانتمائها للوطن من خلال الإقبال على الخدمة الوطنية، فإن الأم الإماراتية قد شاركت أيضاً بدور واضح في التعبير عن هذا الولاء، سواء عبر التسجيل والمشاركة أو تحفيز الأبناء وتشجيعهم على الالتحاق بالخدمة الوطنية. ومن جانب آخر، فإن فتح المجال أمام المرأة الإماراتية للانخراط في الخدمة الوطنية، يعكس قناعة قيادتنا الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، بأهمية دور المرأة الإماراتية على مدار مسيرة العمل الوطني، كما يعكس كذلك ثقة بمقدرتها على تحمل المسؤولية كعادتها دائماً، فضلاً عن أن هذه الخطوة تترجم أيضا حرص القيادة الرشيدة على الاستفادة من طاقات أبناء الوطن كافة، لاسيما أن برامج التدريب في الخدمة الوطنية، تدعم قدرات المواطنين والمواطنات، وتسهم في بناء الشخصية وتعزيز المهارات الفردية، وغير ذلك من سمات إيجابية. إن المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة، تمثل شريكاً في التنمية، لا معضلة تنموية، كما هي الحال في كثير من دول العالم، حيث تعد الدولة نموذجاً عالمياً يحتذى على صعيد حقوق المرأة، وهي تنطلق في ذلك من فهم وإدراك واعٍ للدين الإسلامي الحنيف، الذي رسخ حقوق المرأة منذ أربعة عشر قرناً مضت، ومن ثم فقد تجاوزت الدولة أي جدل لم يزل يدور في مناطق شتى حول هذا الموضوع، وقدمت نموذجاً حضارياً قائماً على المزج بين القيم التاريخية الموروثة وتعاليم الدين الإسلامي ومتطلبات العصر الحديث على المستويات التربوية والتعليمية. ومن هنا فإن أحد معالم نجاح التجربة التنموية الإماراتية، يتمثل في انخراط المرأة في عملية التنمية بمختلف قطاعاتها، وكان التعليم بطبيعة الحال بوابة ومدخلاً رئيسياً لهذه الطفرة النوعية في أداء المرأة الإماراتية على مختلف الصعد، كما كان للمؤسسات الوطنية المتخصصة التي اهتمت بشؤون المرأة دور حيوي في هذا السياق، وفي مقدمة هذه المؤسسات "الاتحاد النسائي العام"، الذي أسسته وتتولى مسؤوليته سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، حيث كان لسموها الدور الأبرز في ما وصلت إليه المرأة الإماراتية، وما حققته من نجاحات وإنجازات بفضل رؤية سموها ورعايتها لها، سواء في مجال التعليم أو العمل والإنتاج. ومن ثم فإن الإحصاءات تعكس كمياً هذا التطور والنهوض المجتمعي، حيث تمثل الإناث نحو 52.7% من إجمالي المسجلين في منظومة التعليم قبل الجامعي، فيما تبلغ نسبة الإناث في قطاع التعليم العالي نحو 71.6% من إجمالي الدارسين في الجامعات الحكومية، ونحو 50.1% من الملتحقين بالجامعات والمعاهد الخاصة، والأمر لا يقتصر على ذلك بل إن نسبة الإناث في مراحل التعليم بعد الجامعي (درجتا الماجستير والدكتوراه) في الجامعات الحكومية تبلغ نحو 62%. هذه المؤشرات هي غيض من فيض، وتعكس وضعاً استثنائياً للمرأة الإماراتية مقارنة بمثيلاتها في معظم دول العالم، بل قد لا تكون هناك مبالغة في مقارنة وضع المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة بنظيراتها في الدول المتقدمة، سواء على المستوى التشريعي، وما يرتبط بذلك من القوانين الناظمة لحقوق المرأة بشكل عام، أو على مستوى التنمية وفرص وقوانين العمل وتشريعاته وما وفره المشرع الإماراتي للمرأة على هذا الصعيد من امتيازات تحفظ لها دورها الأساسي في رعاية أسرتها وأبنائها والاضطلاع بدورها الرئيسي في المجتمع من دون المساس بطموحاتها المهنية ورغبتها في تحقيق آمالها على المستوى الوظيفي والمهني، وبفضل هذه الرؤية الواعية، فإن المرأة الإماراتية باتت تشغل نحو 66% من وظائف القطاع الحكومي، من بينها 30% في الوظائف القيادية المؤثرة، وفي مواقع اتخاذ القرار في المؤسسات الحكومية، بالإضافة إلى الدور المحوري للمرأة الإماراتية في مواقع اتخاذ القرار بالدولة، والسلك الدبلوماسي، والمجلس التشريعي. صحيح أن وجود المرأة الإماراتية في مؤسستنا العسكرية وأداء مهامها الوطنية ليس طارئاً بحكم وجودها ودورها الثابت في هذا المجال، ولكن إقبالها على الالتحاق بالخدمة الوطنية، ومنافستها لأشقائها من الرجال في ذلك، إنما هو شهادة إضافية تضاف إلى السجل الناصع لإنجازات المرأة الإماراتية وأدوارها الوطنية الناصعة.